مفاهيم التنمية و مقارباتها

كتابة: هشام بنعلي قدور



مفهوم التنمية
       كل إنسان وكل مجتمع يريد التنمية، ولكن ماذا يعنى هذا المفهوم؟ الذي استخدم بطريقة فضفاضة ليصف أوضاعا معينة ﻟﻤﺠتمعات خاصة ويفسر عمليات التغير التي مرت ﺑﻬا هذه اﻟﻤﺠتمعات، ثم استخدم للإشارة إلى "مزيج" من الخصائص والمميزات المتعلقة بكل من : النمو الاقتصادي أو لرفاه الاجتماعي أو التحديث. ويوجد اتفاق عام على عدم وجود اتفاق تام  حتى الآن  بين مختلف الباحثين على مفهوم واحد للتنمية، ومن ثم فلا يوجد تعريف واحد جامع مانع لهذه العملية، الذي بدأت اقتصادية فاجتماعية، وانتهت بأن أصبحت عملية كلية شاملة، ولذلك تتفاوت مقاييس التنمية من مجال بحث علمي إلى مجال آخر، بحيث أصبحت هذه التنمية تعرّف  فى ضوء تعدد مفاهيمها  من المقاييس الدالة عليها أكثر من تعريفها بواسطة تعريفاﺗﻬا.
    ويمكن تعريف التنمية أيضا على أنها توسيع الثروة وتحسين شروط الحياة والسكان والمجالات الترابية[1].
    والتنمية هي عملية مقصودة، تحدت عن طريق تدخل الإنسان لتحقيق أهداف معينة. وقد عرفت التنمية كذلك أنها مفهوم معنوي يعبر عن عملية ديناميكية تنتج من التدخل الإرادي للمجتمع لتوجيه لتفاعل بين الطاقات والإمكانات الكائنة للمجتمع  والنسق الاجتماعي والاقتصادي لإنتاج والإبداع، وقوام هذه العملية إحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية والهيكلية في المجتمع بهدف زيادة قدرة المجتمع على البقاء والنمو[2]
   كما تعتبر التنمية عملية انتقال اقتصاد معين ، صغر حجمه أو كبر، من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى نسبيا ، خلال فترة زمنية محدودة ، وبناء على جهد إرادي مبذول لتوجيه الاقتصاد لتحقيق أهداف معينة ومحددة خلال الفترة الزمنية المذكورة. فالجهد الإرادي الذي يسعى للقيام بعملية التنمية هاته وتحقيق الأهداف المرصودة يجعل عملية الانتقال من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى نسبيا يخرج من دائرة التنمية التلقائية أو الفجائية التي تحدث للاقتصاد بصورة عفوية ودون توجيه أو جهد مبذول مسبقا[3].
مقاربات في التنمية :
إن ظاهرة التنمية جد مركبة ، وتستوجب انفتاحا فكريا واسعا لفهم حركيتها ، وهذه الحركية تكمن في التفاعلات الدائمة بين مختلف مستويات التحليل. وبدون الوعي بهذه الأمور ،هناك تخوف من العمل على أساس نماذج جامدة التي لا تسمح بأي تكيف منتظم، تفرضه إستراتجية التنمية.إنه تكيف يجب إدراجه مسبقا ،حتى وإن لم ندرك طبيعته بالضبط ،عوض مواجهته بطريقة عشوائية.[4]
ü    مقاربة التنمية الوطنية :
عبر مسلسل تشكيل الدولة الوطنية ، ونظرا للدور الذي كانت تلعبه الدولة كفاعل وحيد في التنمية برز مفهوم التنمية الوطنية من الأعلى ، بحيث تتخذ قرارات التنمية في المركز وتطبق على باقي المجالات الترابية المكونة للتراب لوطني، وفي المقابل هذا المفهوم نجد التنمية من القاعدة التي تعتمد على الإمكانيات والموارد المحلية وعلى إشراك السكان في مسلسل التنمية.
ü    مقاربة التنمية الجهوية :
هذه المقاربة قد ظهر انها لم تخرج عن منطق الاستقطاب الذي يفترض خلق علاقات تقنية اقتصادية من شأنها أن تجعل أقطاب النمو قاطرة للتنمية الوطنية ومراكز لنشر التنمية في المناطق المحيطة بها عل شكل مجالات تنمية، وقد أبان هذا الأسلوب المركزي عن محدوديته بسبب الإجراءات الانتقائية التي يعتمد عليها، فازدادت الاختلالات الجهوية حدة وتولدت تراتبيات حضرية غير متوازنة واحتدت الفوارق الاجتماعية وتعمقت تبعية بعض المجالات الترابية وتفاقم تصحرها في حين ازداد تركز البعض الاخر الى درجة الاختناق. وقد ازدادت هذه الارتكاسات خطورة بعد أن تخلت الدولة عن سياسة التخطيط ودور الرعاية الاجتماعية وبدأت إعادة الانتشار والتشكيل، مما ساهم في ظهور خطاب جديد يقوم على ما يسمي بالتنمية المعتمدة على الذات أو التنمية المنبتقة من الاسفل في مرحلة أولى والتنمية المحلية في مرحلة ثانية كاستراتيجيات بديلة .[5]


ü    التنمية المحلية :
    يعد مفهوم التنمية المحلية، من بين المفاهيم الأكثر تداولا و الأكثر غنى في دلالاته، فمن الباحثين من ينظر إليه على أنه مفهوم يخص الوسط الريفي ، و منهم من يعطيه دلالة معادلة لمفهوم اللامركزية ، و منهم من يراه كل مشروع تنمية إرادية و شاملة يخص مجالا محدد . بمشاركة مواطنين و شركاء مستفيدين من هذا المشروع.
   ظهر هذا المفهوم حسب العديد من الباحثين، عند نهاية الستينات وبداية السبعينات بعد فشل السياسات التي كانت تضع نفس الاهداف ونفس البرامج دون اعتبار الحاجيات المحلية لساكنة ، وقد ظهر كمحاولة كذلك لاعتماد أنماط تدبير جديدة تراعي خصوصيات ومتطلبات الشأن المحلي، وتكمن من استغلال موارده وطاقاته بشكل يسمح بتحسين ظروف عيش الساكنة المحلية والنهوض بالقطاعات الاجتماعية،والاقتصادية،الثقافية والبيئية عن طريق التنسيق والانسجام بين التدخلات .
 أما الأمم المتحدة فتعرف "التنمية المحلية بكونها العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين و الدولة لتحسين الأحوال الاقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية في المجتمعات. المحلية و لمساعدتها في الاندماج في حياة الأمة و المساهمة في تقدمها بأقصى قدر ممكن.
     و من تعاريفها كذلك ما يركز على الغاية أو الهدف من التنمية المحلية، في كونها تسعى لتحسين ظروف الحياة للمجتمع المحلي حيث عرفت على أنها " حركة تهدف إلى تحسين الأحوال المعيشية للمجتمع في مجمله على أساس من المشاركة الايجابية و بناء على مبادرة المجتمع ، إن أمكن ذلك ، فإن لم تظهر المبادرة تلقائيا تكون الاستعانة بالوسائل المنهجية لبعثها، و استثارتها بطريقة تضمن لنا استجابة حماسية فعالة لهذه الحركة[6]"
يمكن القول، أن أي إجماعا حول هذا المفهوم لم يحصل بعد ، غير أنه يمكن استخلاص جملة من العناصر تساعد على ضبط حدود هذا المفهوم ، منها أن التنمية المحلية هي مقاربة شاملة أفقية ذات أبعاد متعددة ( اقتصادية ، اجتماعية  إدارية ، ثقافية،...)، و هي كذلك إرادية تشاركيه  تتطلب مشاركة مختلف الفاعلين(عموميين ، خواص ، مواطنين تتخذ من تراب محدد مجالا لها، من خلال كونه مجالا معاشا يتمتع بهوية و علاقات أكثر ترابط وتنسيق بين الفاعلين المحليين، مما يسمح بتكوين إطار تفاهم و تشاور لأجل صياغة إستراتيجية متكاملة ، و هي كذلك تتخذ من الموارد المحلية أداتها و غايتها عن طريق تفعيل و تثمين تلك الموارد دون الانغلاق على الذات.

التنمية الترابية :
ينطلق مفهوم التنمية الترابية من ثنائي التراب و الفاعليين  بصفتهما مفهومين وجيهين وعمليين لفهم وأجرأة التنمية، فيطرح التراب إذن كمجال مفضل للعمل . ولهذا ظهر التراب كمقاربة جديدة تحاول أن تعييد صياغة التنمية أما من مجالات مؤسسات كمجالات الجهوية أو الجماعية أو الادارية أو من مجالات جغرافية كالأحواض المائية أو الدوائر المسقية[7] .
ü    مفهوم التراب :
   ينحدر مصطلح التراب من الاصل اللاتيني " Terre " وقد أخد المفهوم ابتداء من القرن 17 بعدا سياسيا وإداريا وأضحى يوحي بفكرة السيطرة والتدبير لجزء من سطح الارض من طرف قوة تستنبط سلطتها ومشروعها من مراقبة المجال وقد تكون جماعة ترابية أو دولة.
  فالتراب بهذا المعنى يعد جزاء من سطح الارض متملكا من طرف مجموعة بشرية، ويتشكل في المجال بناء على مجموعة من التجهيزات والشبكات والمسالك المنجزة من طرف تلك المجموعة. ويتشكل بذلك من مجموعة العلاقات الفردية والجماعية والتي تروم استغلال إمكانياته وجعلها موارد ترابية تضمن استمرارية المجموعة المتملكة له .[8]
   ويرى بيير -نويل دونيي أن التراب هو أولا مجال معاش، تسجل فيه الأفعال والقيم الإنسانية وذلك في إطار سهولة القراءة المجالية. وهو كذلك مؤشر على تطور تدخل في السياسية الاجتماعية لبلد ما، وهو أيضا بناء مؤسساتي، حيث أن كل جزء من الدولة أو المؤسسة يطرح تصوراته الخاصة، حول التقطيع الترابية والمحلي الملائم.[9]
في الواقع فإن الخطاب الذي يدور حول التراب يسترجع بطريقة غامضة وغير واضحة ، تعرفين مختلفين:
ـ التراب كمعطى : هو جزء من المجال (تحديدا التقطيع التحت وطني ) المنظم والذي هو موضوع للملاحظة .
ـ التراب كبناء : من هذا المنظور فالتراب يعتبر هو نتيجة لصيرورة بناء من طرف الفاعلين [10].
لقد أعطيت لمفهوم التراب الكثير من المعاني ومر من الكثير من المراحل  حسب  كل Jacques Lévy وMichel Lussault  أجملاها في 8 تعريفات أو معاني :
ـــــ1 أعطيت لمفهوم "المجال"  صبغة رياضية من طرف بعض الباحثين) Harvey،1960 ) ، وبالتالي فقد أعتبره أكثر علمية من مفهوم التراب .
2ـ ــــــ وفي مرحلة  ثانية أعتبر مفهوم التراب مرادفا أو موازيا لمفهوم المجال في توجه عالمي استمر من تللك الفترة حتى الان .
3 ــــــــ التراب بمعنى المكان "lieu" في الجغرافيا، كما نجده مستعملا بهذا المعنى خصوصا في الاقتصاد والعلوم السياسية .
4 ــــــ ظهور توجه أبستمولوجي يحاول البحث عن تحديد المفهوم الحقيقي لتراب.
5 ـــــ  التراب بمعنى المجال المراقب والمحدد .
6 ـــــ معنى التراب تمت استعارته من عالم الحيوان، ودلك اعتمادا على البحوث والدراسات الايتولوجية . انتقل بعد دلك هدا المفهوم إلى علم البيولوجيا، ليعود إلى العلوم الانسانية ، حيث أوجد نوعا من التعارض ما بين المجالات " grégaires" التي تعني محمي من طرف المجموعة ، و المجالات "territorial"
التي تعني محمي بواسطة السيطرة على المجال .
7 ـــــ بمعنى المجال المملك ودلك اعتمادا على التعريف السابق .
8 ـــــ التحقيب التاريخي ، حيث  تم اقترح ترتيب ملائم من طرف Christian Grataloup تقول فيه بانتقال هدا المفهوم من معنى الوسط في مرحلة أولى إلى معنى المجال وأخيرا بمعنى التراب .[11]
   لقد حاول Jacques Levy مقاربة مفهوم التراب من خلال تعاريف متعددة ، وقد أرجع دلك التعدد في التعاريف مند صدور نسخة 1982 "الترابات والحياة اليومية " Les territoires de la vie" quotidienne " حيت اصبحت الاستعمالات والدلالات والمفاهيم متعدد، مما خلق صعوبة حقيقية  في التواصل ما بين الباحثين .








[1]Jacques Lévy et Michel Lussault dictionnaire de la géographie et de la l espace des sociétés p 247 
[2]  محمد عبد الفتاح محمد،الأسس النظرية للتنمية الاجتماعية المكتب الجامعي الحديت 2005 ص 38
[3]  المهدي بنمير ، الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية  ص 16
[4]  المهدي المنجرة ، قيمة القيم ،ص 24
[5]  المصطفى الحسني، إشكالية التنمية الترابية بالمغرب، نموذج جهة دكالة عبدة بحث لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية ،جامعة القاضي عياض،كلية الاداب مراكش، ص41
[6]  موسى رحماني ، تسيير و تمویل الجماعات المحلية في ضوء التحولات الاقتصادیة ،
www1.univ-batna.dz/fac_economie/faculte/interventions/Rahmani_moussa.DOC
[7] المصطفى الحسني: إشكالية التنمية الترابية ، مرجع سابق،ص 47،46.
[8]  سعيد بوجروف : الجهة والجهوية بالمغرب أي مشروع لأي تراب ،ص44 وص 48.
[9] Pierre-Noël Denieuil . Développement social, local et territorial : repères thématiques et bibliographiques
http://www.cairn.info/revue-mondes-en-developpement-2008-2-page-113.htm
[10] Bernard PECQUEUR et autres, le territoire est mort vive les territoires p 300 , 
[11] Jacques Levy et Michel lussault,dictionnaire de la géographie et de l espace des sociétés p 907   

تعليقات