المغرب والجزائر : تاريخ الصراع ومستقبل للعلاقات الثنائية بين البلدين؟.

المغرب والجزائر : تاريخ الصراع ومستقبل للعلاقات الثنائية بين البلدين؟.
كتابة : هشام بنعلي قدور .

السؤال الذي يطرح نفسه أو قد يطرحه البعض هو لماذا الحديث عن العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر ؟ ما الأهمية التي من الممكن الخروج بها  من الحديث عن هذه العلاقات ؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة، يكمن في كون تحسين أو توتر هذه العلاقات لا يؤثر فقط على البلدين، وعلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشعبين المغربي والجزائري، ولكن أيضا يؤثر على المنطقة برمتها، نظرا لما يمتلكه البلدان من ثقل لا يستهان به ولإمساكهما بملفات متعددة.
فنحن أمام بلدين دخلا في صراع تنائي بدل تعاون تنائي، أدخل العلاقات الثنائية بينهما سراديب المجهول .
فماذا نقصد هنا بالعلاقات الثنائية ؟
ففي القاموس السياسي تعتبر العلاقات الثنائية هي تلك العلاقات السياسية والثقافية التي تنشأ بين بلدين و التي ينتج عنها توقيع اتفاقيات اقتصادية و أمنية وتبادل السفراء... وهي الشكل الغالب والأعم بين بلدان العالم ضمن أشكال أخرى قد تكون متعدد أو وأحادية .
من هنا يأتي الهدف من إثارة هذا الموضوع، وذلك من أجل استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين، ولمعرفة ذلك لابد من معرفة ماضي وحاضر هذه العلاقات .
تاريخ طويل من العلاقات المتوترة بين البلدين  
يعتبر التاريخ الجزائري المغربي حافل بالمحطات المتوترة، قد يكون هذا التوتر بدأ قبل استقلال الجزائر وذلك على إثر اختطاف طائرة كانت تضم بعض قادة الثورة الجزائرية من طرف فرنسا، واتهام المغرب من قبل بعض قادة الثورة الجزائرية بتسريب معلومات عن هؤلاء لفرنسا، مما أدى إلى القبض عليهم وهو الأمر الذي يكذب نفسه، وذلك أن المغرب الذي قدم الدعم العسكري، والمعنوي، والسياسي لثورة الجزائرية، لا يمكن في المقابل أن يطعن الجزائريين من الخلف، لأن هذا ليس من أخلاق وأفعال المغرب الرسمي أو الشعبي و من أخلاق المغاربة الذين دفعوا الغالي والنفيس من أجل تحرير الجزائر.
محطة أخرى ستبرز من جديد بين البلدين، إبان سنوات 1963 أي سنة واحدة بعد استقلال الجزائر، حيث سيبدأ صراع داخلي بين قياد الثورة الجزائرية من أجل تقاسم مغانم ثورة الاستقلال، مما كان سيؤدي إلى تقسيم البلاد، فتمخضت "العبقرية" الجزائريين على مهاجمة إحدى الوحدات العسكرية المغربية المرابطة على الحدود من أجل تفادي الصراع الداخلي، و "توحيد" الجزائريين حول عدوا افتراضي يهدد البلاد، وهذا العدو ليس سوى المغرب، وهذه الإستراتجية ما تزال معتمدة إلى اليوم من طرف النظام الجزائري لأنه يهش بها على غنمه وله فيها مأرب أخرى.
سنة 1975 سيعود التوتر من جديد، وذلك على إثر قيام المغرب بتنظيم المسيرة الخضراء، من أجل استكمال وحدته الترابية، فردت الجزائر على هذه الخطوة بطرد الألف من المغاربة المقيمين في الجزائر ومصادرة ممتلكاتهم وأسمت عملية الطرد التعسفي هذه بالمسيرة السوداء.
ستكون هذه المرحلة أيضا بداية لصراع عسكري غير مباشر في بعض الأحيان ومباشر في أحيان أخرى، وذلك أن الجزائر اختارت أن تشرف على خلق ما أصبح يسمى في ما بعد بجبهة البوليساريو وذلك في إطار الحرب الباردة التي كانت تدور رحاها بين أمريكا من جهة و الاتحاد السوفياتي من جهة أخرى، حيث اختارت الجزائر المعسكر الشرقي واختار المغرب في المقابل المعسكر الغربي . مما أدى إلى ظهور حرب يخوضها البلديين بالإنابة عن المعسكرين .
انتهت هذه المرحلة سنة 1991 خاصة في شقها العسكري، بتوقيع اتفاق إطلاق النار، عقب التطورات التي عرفها العالم أنداك والتي كان أبرزها سقوط الاتحاد السوفياتي وبتالي انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت الجزائر تستمد منها الدعم الإيديولوجي والسياسي .
ولعل من بين الأسباب الأخرى التي سرعت عملية توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، هي الأحداث التي كانت تنذر بانفجار الوضع بالجزائر، عقب الإصلاحات التي قام بها الرئيس الجزائري أنداك الشاذلي بن جديد وخلافة محمد بوضياف له والذي تمت تصفيته فيما بعد، مما أفرز تعددية سياسية وحزبية كان من نتائجها تنظيم انتخابات نزيهة للمرة الأولى في تاريخ الجزائر، مما أدى إلى فوز الإسلاميين، هذا التطور لم يلقى قبولا لدى فئتين رئيسيتين داخل النظام الجزائري هما:الطبقة السياسية الموروثة عن فثرة الاستعمار التي يمثلها حزب( FLN) والطبقة العسكرية الموروثة أيضا عن الفترة الاستعمارية، هاتين الفئتين تعتبران المستفيدتين من الأوضاع التي استمرت إلى حدود نهاية الثمانينات، وبالتالي هما المتضررتين من أي تغير قد يحدث على هذه البنية العتيقة من الفساد والمحسوبية .
لذلك سعت الطبقة المسيطرة في الجزائر إلى خلط الأوراق، الشيء الذي أدخل هذه الأخيرة في دوامة عنف راح ضحيتها مئات الألف من الجزائريين. ولم تبدأ الجزائر في الاستفاقة من هذه الغيبوبة وهذا الشلل، إلا مع بداية الألفية الجديدة، حيث عرفت هذه الفترة معطيين بارزيين هما : أولا تمكن النظام الجزائري والطبقة السياسية والعسكرية العتيقة من تقزيم دور الإسلاميين الذين تسميهم بالراديكاليين أو الارهابيين، وثانيا المجيء بأحد رجالات الحركة الوطنية الجزائرية المخضرمين وهو عبد العزيز بوتفليقة كرئيس للبلاد، أما على الصعيد المغربي فقد بدأ هو ا لأخر عهد جديدا بوصول الملك الشاب محمد السادس إلى سدة الحكم .
كان من شأن هذه التطورات الاخيرة أن تنعكس بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية بين البلدين، وهذا ما كان ينتظره الجميع، وهذا ما أكدت عليه الرسائل والزيارات المتبادلة بينهما. لكن سرعان ما عادت إلى سابق عهدها، لأن حسابات الطغمة الحاكمة في الجزائر ليس في مصلحتها أي تقارب بين البلدين، و خصوصا أن هذه الحسابات تتوافق مع ما أعلن عنه عدد من كوادر النظام الجزائري برغبتهم في ببناء دولة إقليمية مستفيدة من البحبوحة البيترودلارية التي تعيشها، حتى وإن كان بناء هذه الدولة الاقلمية يراد له أن يكون على حساب المغرب ومصالحه الإستراتجية، وعلى حساب وحدته الترابية .

استعرضنا لما سبق من محطات العلاقات المغربية الجزائرية يؤكد بما لا يدع مجالا لشك على أن هذه العلاقات كانت حافلة بالتوتر، وأن الجزائر جعلت من معاكسة مصالح المغرب هدفا استراتجيا لا محيد عنه .
حاضرا .. ميزته الأساسية الصراع حول النفوذ.
لا بد أن نشير هنا، إلى أن تسمية الماضي والحاضر لم نعتمد في تحديدها على المعايير التقليدية المتعارف عليها، بقدر ما ألصقنا كلمة الماضي بصانعي ذلك الماضي والفاعلين فيه من كلا الجانبين. و نفس الأمر بالنسبة لكلمة الحاضر بالصناع والفاعلين في هذا الحاضر من كلا الطرفين ( النظام العسكري الجزائري و الدولة المغربية بقيادة الملك محمد السادس) .
إن المتابع لتطور العلاقات الثنائية في البلدين في الوقت الحاضر، لابد أن يخرج باستنتاج مفاده أن العلاقات عرفت تغير في آليات الاشتغال لدى الطرفين متأثرة بدلك من عوامل داخلية مرتبطة بكل بلد على حدا وعوامل خارجية مرتبطة بالتطورات الدولية هي:
ــ عوامل داخلية مرتبط بالبلدين نفسيهما، بمعنى أن البلدين قد مرا بتحولات متعددة فنجد بالنسبة للجزائر فقد استطاعت الخروج من الحرب الأهلية أو ما يسمونها " بالعشرية السوداء". كما أدى ارتفاع الكبير لأثمنه البترول خصوصا عقب الأزمات والحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، فاستفادة الجزائر من هذه الوضعية من أجل تحصيل فوائد مالية تقدر بحوالي 200 مليار دولار.
بالنسبة للمغرب فقد عرف هو الأخر تحولات كثيرة لعل أبرزها وصول الملك محمد السادس والذي قام بإصلاحات مهمة على كافة الأصعدة، شهد بأهميتها المعارض قبل المؤيد، هذه الإصلاحات مست جوانب متعددة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والحقوقية كإطلاق المصالحة الوطنية من أجل طي صفحة الماضي وتعويض انتهاكات حقوق الإنسان، إطلاق ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية من أجل القضاء على الفقر والهشاشةـ على المستوى السياسي أطلق المغرب مبادرة الحكم الذاتي لأقاليم الجنوبية المغربية كحل للخروج بهذه القضية المفتعلة من حالة الجمود التي عرفتها منذ سنوات وكذا لسحب البساط من تحت أقدام النظام العسكري في الجزائر.
أما العوامل الخارجية فتتمثل في كون العالم والمحيط العربي منذ بداية الالفية إلى حدود 2013 عرف تغيرات وتحولات كبيرة ومتسارعة لعل أبرزها :
ــ تصاعد الصراع حول ما يسمى الإرهاب بقيادة أمريكية (غزو أفغانستان والعراق من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها).مما أدى إلى سقوط نظام طالبان في أفغانستان وسقوط نظام البعث في العراق .
ــ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي وسقوط ثلاثة أنظمة عربية ودخول سوريا في حرب مدمرة.
هذه العوامل الداخلية والخارجية وما صاحبها من تطورات متسارعة، ساهمت في خلق جو من التنافس بين البلدين، حيث كانت الجزائر هي السباقة إلى هذا المجال، نظرا لرغبة قادة التحرير الجزائرية البائدين في الهيمنة على المنطقة، لأن المساحة الضخمة والبحبوحة البيترودولارية التي يتوفرون عليها تسمح لهم بذلك حسب زعمهم، لكنهم نسوا أو تناسوا أن بلدا مزودا بتاريخ عريق كان الأمر الناهي في شمال إفريقيا على مدى مئات السنين لن يسمح لهم بالتحرك لوحدهم هكذا وبهذه السهولة .
لقد سعى النظام الجزائري للاستغلال تلك البحبوحة المالية في الجانبين الديبلوماسي والعسكري، فعلى المستوى الدبلوماسي قام النظام الجزائري بتقديم تسهيلات اقتصادية لعدد من الدول وذلك عن طريق السماح لمجموعة من شركات البترول بتنقيب عن النفط والغاز، مقابل مكاسب سياسية لدعم أطروحة الانفصال . أما على المستوى العسكري فقد دخل النظام العسكري في صفقات تسلح ضخمة من روسيا  على وجه التحديد ، والمبرر الذي يقدمه في هذا الإطار هو محاربة الإرهاب ، لكن هل محاربة الإرهاب تتطلب شراء غواصات، وصواريخ إس 300 وإس 400 المتطورة وغيرها ؟ هذه الحيلة لن تنطلي على إنسان .
في المقابل فقد جرت رياح الربيع العربي بما لا تشتهي سفن النظام العسكري، حيث أدى سقوط نظام القدافي إلى زلزلت أركان هذا النظام وأدخلت الرعب في أوصاله المتهالكة ، حيث خسر بسبب هذه الموجة الربيعية أحد أهم الحلفاء في المنطقة و الداعمين للانفصاليين و أهم ناشري الفتن في إفريقيا . هذا المعطى إلى جانب التطورات التي عرفتها تونس والمرتبطة بالربيع و المتغيرات التي حصلت في مالي مع صعود حركة تحرير ألازواد الانفصالية وتحالفها مع تنظيم القاعدة  وما تلى كل ذلك من تدخل فرنسا مدعومة من المغرب، من أجل أعادة الأمور لنصابها، وهذا الأمر لم يرق للنظام الجزائري الذي رأي فيه توسعا لنفوذ المغرب في هذه المناطق التي كانت تربطها بالمغرب علاقات دينية ضاربة في القدم .
وخصوصا وأن النظام العسكري في الجزائري يعرف تأكل ملحوظا على مستوى البنيوي، متمثلا في شيخوخة الطبقة العسكرية والسياسة التي تقود البلاد والفساد المستشري في أضلاع هذا النظام . هذه المستجدات دفعت قصر المرادية إلى قيام بتغير على المستوى الدبلوماسي  كتغيير وزير الخارجية السابق برمطان العممارة الذي يقدم على أنه العارف بخبايا الأدغال الإفريقية ، من أجل مجابهة النفوذ المغربي في أفريقيا. وما استتبع ذالك من إلغاء بعض الديون على عدد من الدول الإفريقية .
لقد كانت إستراتجية المغربية للتغلغل في أفريقيا ترتكز أساسا على البعد الاقتصادي، وذلك بالاستثمار في هذه الدول، من أجل ربط اقتصاديات الإفريقية بالاقتصاد المغربي، خصوصا على المستوى الابناك والاتصالات والخبرات التي يتوفر عليها المغرب على كافة الأصعدة ، الاقتصادية والحقوقية، الاجتماعية، وإرسال قوات حفظ السلام والتي تجاوز عددها 50 ألف جندي على مدار الخمسين عاما السابقة إلى كافة مناطق التوتر عبر العالم وعلى رأسها دول الإفريقية كالكونغو الديموقراطية، الكوديفوار، افريقيا الوسطى،مالي ... . كل هذه العوامل ساعدت المغرب في التغلغل داخل إفريقيا وتعزيز تعاون جنوب جنوب ، وتقوية وتعزيز مكانة المغرب كدولة محورية لا يمكن الاستغناء عنها أبدا .
فماذا عن المستقبل ؟
ما يمكن قوله هو ان العلاقات لن تشهد أي تغيير كبير على أقل على المدى القريب والمتوسط ، لأن النظام العسكري القائم في الجزائر لن يسمح بأي تقارب بين البلدين لأن ليس من مصلحته ذلك، لأن من شأن أي تقارب بين البلدين أو بلدان المغرب العربي الخمس أن يكبح طموح العسكري في السيطرة على المنطقة وأن يعري الواقع السياسي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه  الشعب الجزائري الشقيق رغم الثروات الضخم التي تتوفر عليها البلاد.    
أما على المدى البعيد فيمكن القول أن العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية ،لا يمكن أن تخرج عن خياريين اثنين لا ثالث لهما :
ــ استمرار الأمور على ما هي عليه دون تغير يذكر وتواصل  حالة الجمود والفعل ورد الفعل بين البلديين وهذه هي رغبة الجزائر المثلى تؤكدها ما جاء من تصريحات لوزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة لمجلة جون أفريك قال فيها بالحرف " من  سهل فهم أن العلاقات الجزائرية المغربية لا يمكن أن تنحصر في مسألة غلق الحدود البرية فقط " . وهذا ما يؤكد على شيئن هما أن النظام العسكري ليس على استعداد لتفعيل العلاقات و ان هناك أشياء غير مشكل الحدود تحول دون عودة هذه العلاقات ، وهي أطماع الغير المعلنة لهذا النظام في الصحراء المغربية .

ــ خروج هذه العلاقات من النفق المظلم لن يتم إلا عن طريق هبوم رياح تغير قوية  على هذا البلد ، تكون كفيلة بإزالة الطبقة الماسكة بالأمور وتغيير النظام بصفة جذرية والمجيء بفئة أكثر شبابا تساير روح العصر .  

تعليقات