هشام بنعلي قدور :
تعددت
أسباب تراجع و تهاوي أسعار البترول ، ولكن أهم العوامل التي يمكن التركيز عليها لتفسير
هذه الوضعية يمكن إيجازها في ثلاثة عوامل أساسية وهي :
أولا : اكتشاف
الولايات المتحدة الامريكية لتقنيات متطورة سهلت لها عملية استخراج و استغلال النفط الصخري مما جعلها تستغني بشكل
كبير عن النفط الخارجي .
ثانيا :
الازمة الاقتصادية العالمية التي أرخت بضلالها السوداء على الاقتصاد العالمي ، مما
أدى بالتالي إلى تراجع الطلب عليه من طرف الاقتصاديات الكبرى .
ثالثا :
العقوبات الدولية على إيران دفعتها إلى البحث عن أسواق أخرى وبيعها في السوق
السوداء بأقل الاثمان.
بطبعة
الحال سوف تكون لا محالة لهذه الوضعية تداعيات وإن بشكل متفاوت ، وهنا لابد أن
نميز بين فئتين من الدول ، وهي الدول
المنتجة والمصدرة لنفط وهي المتضررة ،و
الدولة غير المنتجة و هي التي سوف تستفد اقتصادياتها بدون شك من تراجع أسعار البترول و هذه لا تهمنا في هذه الحالة .
ويمكن أن
نشير أنه داخل الدول المنتجة بحد ذاتها ، تكون التداعيات متفاوتة التأثير ، بمعنى
أن هناك دول تتوفر على احيتاطيات ضخمة من
العملة وتتركز أساسا في الخليج ك( الكويت والسعودية و قطر و الامارات العربية
المتحدة ) لذلك فتراجع أسعار البترول لن يؤثر على كثيرا على ميزانيات هذه الدول
. لكن هناك دول سيؤدي تهاوي أسعار النفط ،
إلى تأزيم الواقع الاقتصادي فيها ك (البحرين و
سلطنة عمان ) داخل منطقة الخليج ، ومن خارجها نجد كل من ( إيران و روسيا و فنزويلا
و الجزائر) هذه الدول عبرت غير ما مرة عن
قلقها العميق وتخوفها من التداعيات
المدمرة لاقتصاديات هذه الدول ، وانعكاسات الاجتماعية لاستمرار الوضع على
ما عليه وخصوصا تلك التي تعتمد بشكل كامل على ريع النفطي .
نصل بعد
هذا التحليل إلى مربط الفرس لهذه اللعبة
الخطرة ، فإلى جانب الاسباب الموضوعية التي تم ذكرها أعلاه ، هناك العديد
من الخبراء يؤكدون على ان الدوافع الحقيقة وراء تراجع أسعار البترول تعود إلى
الصراعات السياسية التي يخوضها صناع القرار
في العالم، أو ما اصبح يصطلح عليه كما قال كسينجر وزير الخارجية الاسبق للولايات المتحدة الأمريكية
في إحدى لقاءاته الإعلامية مؤخرا، بأن الامر يتعلق بحرب باردة جديدة بين روسيا والغرب. إذا فسلاح النفط أصبح جزءا
من هذه الحرب ، بمعنى أنه هناك أهداف من طرف الغرب بصفة عامة و توابعه في الخليج
لتركيع كل من روسيا التي تدعم المتمردين في
أوكرانيا بعد استيلائها بطريقة ذكية على جزيرة القرم هذا من جهة . من جهة أخرى من اجل الامعان في
تأزيم الوضعية الاقتصادية لإيران حليفة روسيا الاستراتجية و الداعم الرئيسي للنظام
السوري عسكريا وماليا و دبلوماسيا ، لذلك أستعمل سلاح النفط من أجل كسر أضلاع
الايرانين والروس ومن لف لفهما ، لذلك يلاحظ تحمس كبير لدى السعوديين على وجه
الخصوص لاستعمال هذه الاستراتجية كما استعملوها في محطات سابقة كحرب 73 ضد إسرائيل
و ضد صدام حسين و الأن ضد روسيا وإيران ، وذلك عن طريق الابقاء على مستويات مرتفعة
من إنتاج النفط مما يؤدي بالتالي إلى إغراق الاسواق بهذه المادة ، وتراجع أسعار
بشكل حاد وصل إلى النصف في أقل من شهر ، والتفرج على الدول المنتجة (خصوصا روسيا و إيران) وهي تحصي خسائرها التي
تصل إلى المليارات والمليارات من الدولارات . . إنها لعبة النفط .
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك حول الموضوع