هشام بنعلي قدور
لا شك أن
الصراع المتعدد الابعاد في الشرق الاوسط، قديم و مقعد ومتشعب،مما جعل منه
محط اهتمام العديد من الباحثين والمراقبين من مختلق المشارب والتخصصات ،وذلك في
محاولة لدراسة و فهم جوهر هذا الصراع الشرق ألأوسطي ، وفهم أيضا النزوعات التي
تغديه وتجعله متقدا ودائم الحضور على الساحة الدولية، وشبيها إلى حد ما بمنطقة
زلزالية أو بركانية نشطة تندر بتشكل جيومورفولوجية سياسية و ثقافية جديدة .
و كمنطلق
لمحاولة فهم الصراع في الشرق الأوسط، يمكن
طرح ثلاثة عوامل رئيسية، قد تكون بدون شك، أساسا لحالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة وهي: التنوع الثقافي
والديني والعرقي الذي يميز هذه منطقة و الصراع العربي الإسرائيلي و مسألة
الطاقة .
هذه
العوامل الثلاثة، هي في الحقيقة، الركائز التي كانت ولا تزال، المحور الذي تدور
حوله مختلف الصراعات التي عرفتها تلك المنطقة، على مدى عشرات إن لم نقل مئات
السنين ، لكن كيف ذلك ؟ لذلك من اجل فهم هذه الوضعية المتفردة في العالم لابد من
تحليل هذه العوامل .
1 ـــــــــ تنوع ثقافي وديني
وعرقي متميز .. و لكن !!!
تعتبر منطقة الشرق الاوسط من أبرز المناطق في العالم
التي تعرف تنوعا ثقافي وعرقي وديني ليس له مثيل ، فهي تضم
حضارات وأعراق مختلفة :كالعرب،
والفرس، والاكراد،و الاتراك ، والتركمان ... لم تكن عبر تاريخها الطويل في توافق
ووئام ، بل كانت على العكس من ذلك، في صراع وتقاتل، حول الموارد، وحول إتباث ذاتها،
ونشر دينها وثقافتها بشكل عام . فكانت هذا القوميات والعرقيات كلما حققت إحداها
نوعا من التقدم او التطور الخاص، إلا وتجدها تسعى إلى نشر ثقافتها ،ودينها، ونمط
عيشها، ومحاولة فرضه على ألآخرين، وهذه ميزة اساسية تميز مختلف الحضارات التي
عرفتها البشرية منذ بدأ التاريخ إلى يومنا هذا. ومن امثلة ذلك نذكر الصراع الحضاري الفارسي الاغريقي، والصراع
الفارسي الروماني، و كذلك الصراع العربي الفارسي من جهة الروماني من جهة اخرى ، وإذا نظرنا له من
الناحية الدينية فيمكن القول أنه صراع وتني وتني تم تحول في ما بعد إلى صراع مسيحي
وتني خصوصا بعد اعتناق الامبراطورية الرومانية لدين المسيحي ،تم بعد ذلك أصبح
صراعا إسلاميا ــ بعد ظهور وانتشار الاسلام ــــ
ضد الجبهتين المسيحية الوثنية ..
وهكذا دواليك.
فلإستنتاج
الذي يمكن استخلاصه مما سبق هو أن الصراع في منطقة الشرق الاوسط ليس وليد اليوم بل هو قديم قدم التاريخ، كما
أنه مستمر ومتواصل في الزمان والمكان ، هذا الواقع، لا يجب ان يدفعنا إلى
الاستغراب حول ما يقع حاليا من صراع . لكن
الشيء المستجد في هذه المسألة، وفي وقتنا الراهن هو أن هذا الصراع بدأ ياخذ بعدا أخر
تمثل في دخول عنصر مستجد يدعي أن له حقوقا تاريخية في فلسطين، رغم أن غالبية
مكونات شعبه لا تمت بأي صلة للمنطقة ، فمعظمهم ينحدرون من أوروبا الشرقية و روسيا
وبقية البلدان الاوربية وأمريكا ويحملون جنسيات هذه الدول، هم ذوو أشكال ولغات وألوان
مختلفة فيهم الأشقر والأسمر والأسود والعنصر الوحيد الذي يوحدهم هو الدين، مما
يدحض بشكل كلي الفكرة التي بنوا عليها وجودهم وهي كونهم شعب واحد "مختار من
الله" حسب زعمهم قد تشتت عبر العالم، فلو فرضنا أنهم شعب واحد تفرق عبر
العالم، فمن المؤكد أن هذا الشعب ليكون شعب واحد فيجب أن تتوفر فيه مجموعة من
الشروط كوحدة اللغة واللون والشكل والعادات و التقاليد والهوية والثقافة وغيرها من
السمات التي تجعل من شعب ما متجانس وله خصوصية معينة تميزه عن بقية الشعوب، وعندما
يرجع هذا الشعب إلى "أرض
الميعاد" كما يسمونها فعليه أن يعود كما أنطلق أول مرة حسب زعمهم، أي بنفس التفافة
ونفس الهوية والعادات والتقاليد واللغة واللون والشكل وغيرها من السمات المشتركة،
لا كما نلاحظ الان شعوب مختلفة وأعراق متنوعة ولغات وأشكال وألوان متغاييرة منها
الاسود من إفريقيا والاشقر والابيض من أوروبا واليهود المشارقة من البلدان العربية
، إندمجت فيما بينها بفعل ألة ضخمة اسمها الدين اليهودي وحاولت صهر كل تلك
الاختلافات والفوارق الواضحة وجعلها شيء ثانوي أمام تحقيق الهدف الاسمى الذي هو
العودة إلى "أرض الميعاد" ، هذه الاشكالية تقودنا إلى الحديث عن مسألة
الصراع العربي الاسرائيلي أو الاسلامي اليهودي على وجه التحديد.
2ـــــ الصراع العربي
الإسرائيلي :
عامل اخر يفسر الصراع في الشرق الأوسط، هو الصراع العربي
الاسرائيلي، الذي يتمحور حول الارض و من له الاحقية في امتلاكها، بين العرب عموما
والمسلمين على وجه الخصوص على اعتبار أنها تعتبر مجالا مقدسا بالدرجة الاولى، و
أرض عربية يقطنها شعب عربي فلسطيني بمكونيه المسيحي والمسلم منذ ألالف السنين،
والطرف الاخر في هذا الصراع هم اليهود الذي يعتبرون جبل الجليد الذي يعتبر ما خفي
منه اكبر بكثير من الجزء الذي يظهر منه،
والمقصود هنا هو الغرب المسيحي ،الذي يصعب تحدبد العلاقة بينه وبين اليهود، هل هي
علاقة تعاون وتأزر أم علاقة صراع وقتال ؟ هل هي علاقة متحكم ومتحكم به ؟ وإذا كان
الامر كذلك من هو المتحكم ومن هو المتحكم به ؟ وعلى العموم تظل الصهيونية هي
البوتقة التي يندمج فيها هاذين المكونين الدينين.
لكن
المؤكد في هذه المسألة هو أن منطقة فلسطين كانت عبر التاريخ مجالا لصراع بين أحد
الطرفين إما غربي مسيحي في ما مضي في أصطلح عليه بالحروب الصليبية، أو حاليا بما
يمكن أن نسميه بالحروب الصهيونية اليهودية المدعومة من الغرب المسيحي بكل القدرات والإمكانيات
الاقتصادية و السياسة والإعلامية و العسكرية وما توارى عن الانظار فهو أعظم.
لماذا
يعتبر الصراع العربي الاسرائيلي ذو أهمية اكبر من بقية الصراعات الأخرى التي شهدها
الشرق الأوسط ؟ سواء الصراع العراقي الايراني المباشر (1980ــــــــــــــ 1988)
او الصراع السعودي الايراني الغير المباشر
الذي تدور رحاه على شكل حروب أهلية في كل من اليمن و لبنان و حاليا سوريا،
لأنه بكل بساطة صراع داخلي أي من داخل
الحضارة الإسلامية حول من يقود العالم الإسلامي. أما الصراع العربي الاسرائيلي فهو
شكل أخر لصراع بين حضارتين مختلفتين بل ومتناقضتين تماما هما الحضارة الإسلامية و
الحضارة اليهودية المسيحية اللتان تعتبران وجهان لعملة واحدة.
أما
الحروب التي توجت هذا الصراع ، فقد بدأت منذ 1948 أو ما يسمى بعام النكسة الذي أدى
إلى تشريد "عصابات الهكنة" الصهيونية للفلسطنين من اراضيهم، حيث أعلنت بعض الدول العربية ( مصر –
الأردن – سوريا-
العراق ولبنان) الحرب على إسرائيل غير أن هذه الأخيرة حظيت بدعم أمريكي، وبالتالي
تمكنت من الخروج منتصرة من هذه الحرب و وسعت حدودها ومساحتها
. تلاها بعد ذلك العدوان الثلاثي
( الانجليزي الفرنسي الإسرائيلي ) على مصر سنة 1956 بعد تأميم " جمال عبد
الناصر " لقناة السويس . وبعد أحدى عشرة سنة سوف يتجدد الصراع من الطرفين
العربي و الاسرائيلي بما سمي ب حرب ( الستة ايام أو حرب يونيو ) التي إنتهت بهزيمة
قاسية للعرب وتوسيع الاسرائيلين للنطاق سيطرتهم الترابية . بعد ستة سنوات ستكون
المنطقة على موعد مع حرب أخرى وتحديدا في 1973 في سمي ب حرب أكتوبر 1973 ( حرب
رمضان ) والتي شهدت نوعا من التفوق العربي , حيث عبرت القوات المصرية قناة السويس
متجاوزة الخط الدفاعي الصهيوني ( خط بارليف ).
جاء بعدها غزو لبنان في 1982 من طرف إسرائيل ، وحرب تموز 2006 بين حزب الله و اسرائيل .
ما اريد
ان اوضح هنا مما سبق، ان القضية تتجاوز كونها دول تحتل ارض دولة أخرى ،بل ان
الأمر اعمق من ذلك بكثير ، المسالة هي ما أصطلح عليها صامويل هنكتنكتون "
بصراع الحضارات " بمعنى أن زوال
إسرائيل لا يعني سوى ضعف للحضارة الغربية بشكل تام و بقائها يعني في المقابل أن
الغرب ما زال يحكم قبضته على المنطقة ، عسكريا عبر تواجد لقواعد عسكرية على طول
العالم العربي سواء الامريكية او الاوروبية ، او سياسيا عن طريق دعم أنظمة غير
شرعية لا تتوفر على شرعية سياسة أو شرعية دينية، وبالتالي بما ان الغرب يدعمها
،فهو يتحكم فيها، وتدين له بالولاء وتنفد اوامره وتعليماته دون تردد ، مادام دعمه يسمح لها باستمرار في الحكم، و البراهين المنطقية والواقعية على
هذا الكلام كثيرة لا مجال لحصرها .
3 ـــــــــــ الشرق الاوسط القلب النابض للنفط والغاز.
لا يكتمل
الحديث عن الصراع في الشرق الاوسط، دون الحديث عن عامل أخر ، ذو اهمية بالغة وهو
عامل الطاقة أي النفط و الغاز على وجه
التحديد . فمسألة الطاقة تظل على رأس المسائل و الاشكاليات التي تجعل من الشرق
الاوسط محط اهتمام عدد من القوى الدولية ، كالولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوروبي، وذلك نظرا للإمكانيات الطبيعية والاحتياطيات الطاقية الهائلة التي تتوفر عليها
عدد من دول المنطقة تحديدا، نذكر هنا كل من السعودية بإعتبارها اكبر منتج للبترول
في العالم، حيث تسيطر على ما يربوا عن 40ّّ% من الانتاج العالمي، وتصدر ما يصل ل 10.8 مليون
برميل يوميا، تليها تدول الخليج الاخرى ك
الكويت، والامارات العربية المتحدة ،و قطر، ثم سلطنة عمان ، وقد بلغ مجموع
الفوائض المالية بدول الخليج سنة 2013 إلى
ما يزيد 182 مليار دولار . إلى جانب هذه الدول نجد العراق التي يفوق مجموع صادراته
الثلاتة ملايين برميل يوميا، رغم ما يعانيه هذا البلد من مشاكل أمنية كبيرة ، دون
أن ننسى إيران التي تعتبر هي الاخرى من اهم المصدريين في العالم من هذه المادة .
انطلاق
مما ورد اعلاه ، يحق لنا ان نقول ان هذه المنطقة تعتبر القلب النابض للطاقة
العالمية التي تغذي الاقتصاد العالمي مما جعلها كما قلنا محط أطماع او اهتمام
القوى الكبرى (الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوروبي، والصين ) المحتاجة لتلك المادة من اجل تحريك عجلة اقتصادها ، فكان هذا البترول بمثابة سيف
ذو حدين و بمثابة نعمة و نقمة في نفس الآن .. فإذا استطاعت هذه الدول النفطية
الشرق أوسطية ان تجني عائدات مالية ضخمة أمنت لها حياة الرفاه والعيش الكريم ،
فإنها في المقابل كان سببا في عدد من التوترات والنازعات التي مازلت جروحها لم
تلتئم بعد ، بدأ من عام 1973 عندما قامت دول الخليج بإيقاف صادراتها مما خلق ازمة
حقيقة للغرب، مرورا بغزو العراق للكويت سنة 1991 بسبب رفض الاخيرة لزيادة في سعر
البرميل، وإنتهاءا بإحتلال الولايات المتحدة
الامريكية للعراق سنة 2003 .
الجدول
يبين نسب استهلاك النفط في العالم من قبل الاقتصاديات الكبرى
مسالة
اخيرة لا بد من الاشارة لها وهي ان عدم الاستقرار هذا الذي تعرفه المنطقة، التي
كان من نتائجها ازمة البترول سنة 73، دفع الدول الغربية إلى التنبه لخطورة عدم استمرار
تدفق للبترول، وإلى تعزيز حضورها في
المنطقة تحديدا الولايات المتحدة الامريكية و أوروبية عن طريق إنشاء القواعد
العسكرية كبيرة، وإلى دعم الانظمة الاستبدادية والتيوقراطية التي تتربع على عروش
المنطقة، التغاضي عن مجموعة من الممارسات اللاديموقراطية التي تقوم بها هذه
الانظمة، رغم أن هذه الدول (الغربية) نصبت نفسها مدافعة شرسة عن الحريات والديمقراطية، لكن النظرة البراغماتية المصلحية التي تحكم النظام السياسي والاقتصادي لهذه
الدول، جعلها تضرب كل ذلك عرض الحائط، مادامت المصلحة تقتضي دعم أنظمة ترعى مصالح
الغرب و شهيته غير المحدودة للغاز والنفط .
مقال يستحق القراءة، مع بعض الأخطاء يجب تصحيحها، بخصوص مسألة الصراع الدائر بين الغرب والشرق الأوسط فهو يدور حول إمتلاك الطاقة حيث تعتبر إفريقيا والشرق أوسط الرئة التي يتنفس بها الغرب فلولا التدفقات البترولية والغاز والطاقة بمختلف أنواعها لما استمر الغرب. ولكن من الأسباب التي دفعت الغرب إلى فرض السيطرة على هذه المجتمعات هو عدم تمكن هذه الشعوب الإفريقية عامة والمنتجة للبترول بالدرجة الأولى من إحداث تكثل إقليمي يتحكم في ضبط أسعار الطاقة المصَدرة من بترول وغاز... اتجاه الغرب. لكن هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية والمتعلقة بالجانب الديني.
ردحذفشكرا لك أخي الحسين ، على اهتمامك ، ملاحظاتك .
ردحذف